الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الثاني: محرج نفسك، قاله عطاء، وابن زيد.قوله: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً} فيها وجهان:أحدهما: ما عظم من الأمور القاهرة.الثاني: ما ظهر من الدلائل الواضحة.{فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} فيه أربعة أوجه:أحدها: لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصيته.الثاني: أنه أراد أصحاب الأعناق فحذفه وأقام المضاف إليه مقامه، ذكره ابن عيسى.الثالث: أن الأعناق الرؤساء، ذكره ابن شجرة، وقاله قطرب.الرابع: أن العنق الجماعة من الناس، من قولهم: أتاني عنق من الناس أي جماعة، ورأيت الناس عنقًا إلى فلان، ذكره النقاش.قوله: {أَوَلَمْ يَرَواْ إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ} أي نوع معه قرينة من أبيض وأحمر، وحلو وحامض.أحدها: حسن، قاله ابن جبير.الثاني: أنه مما يأكل الناس والأنعام، قاله مجاهد.الثالث: أنه النافع المحمود كما أن الكريم من الناس هو النافع المحمود.الرابع: هم الناس نبات الأرض كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنَبتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم. اهـ.
وخوطب ب {لعل} على ما في نفوس البشر من توقع الهلاك في مثل تلك الحال، ومعنى الآية أي لا تهتم يا محمد بهم وبلغ رسالتك وما عليك من إيمانهم فإن ذلك بيد الله. لو شاء لآمنوا، وقوله أن لا مفعول من أجله. وقوله تعالى: {إن شاء} شرط وما في الشرط من الإبهام هو في هذه الآية في حيزنا، وأما الله تعالى فقد علم أنه لا ينزل عليهم آية اضطرار وإنما جعل الله تعالى آية الأنبياء والآيات الدالة عليه معرضة للنظر والفكر ليهتدي من سبق في علمه هداه ويضل من سبق ضلاله وليكون للنظر تكسب به يتعلق الثواب والعقاب، وآية الاضطرار تدفع جميع هذا أن لو كانت، وقرأ: {تنَزّل} بفتح النون وشد الزاي أبو جعفر ونافع وشيبة والأعرج وعاصم والحسن، وقرأ أبو عمرو وأهل البصرة بسكون النون وتخفيف الزاي، وروى هارون عن أبي عمرو {يشأ ينزل} بالياء فيهما والخضوع للآية المنزلة كان يترتب بأحد وجهين إما بخوف هلاك في مخالفة الأمر المقترن بها كنتق الجبل على بني إسرائيل، وإما أن تكون من الوضوح وبهر العقول، بحيث يقع الإذعان لها وانقياد النفوس، وكل هذين لم يأت به نبي، ووجه ذلك ما ذكرناه، وهو توجيه منصوص للعلماء. وقرأ طلحة {فتظل أعناقهم} وهو المراد في قراءة الجمهور وجعل الماضي موضع المستقبل إشارة إلى تقوية وقوع الفعل، وقوله تعالى: {أعناقهم} يحتمل تأويلين أحدهما: وهو قول مجاهد وأبي زيد الأخفش، أي يريد جماعاتهم، يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة، ومنه قول الشاعر: مجزوء الكامل: وعليه حمل قول أبي محجن: ولم يقل عتق عنق فرارًا من الاشتراك قاله الزهراوي، فعلى هذا التأويل ليس في قوله: {خاضعين} موضع قول، والتأويل الآخر أن يريد الأعناق الجارحة المعلمة وذلك أن خضوع العنق والرقبة هو علامة الذلة والانقياد ومنه قول الشاعر: الكامل: فعلى هذا التأويل يتكلم على قوله: {خاضعين} كيف جمعه جمع من يعقل، وذلك متخرج على نحوين من كلام العرب: أحدهما أن الإضافة إلى من يعقل أفادت حكم من يعقل كما تفيد الإضافة إلى المؤنث تأنيث علامة المذكر، ومنه قول الأعشى: وهذا كثير، والنحو الآخر أن الأعناق لما وصفت بفعل لا يكون إلا مقصودًا للبشر وهو الخضوع، إذ هو فعل يتبع أمرًا في النفس، جمعها فيه جمع من يعقل وهذا نظير قوله تعالى: {أتينا طائعين} [فصلت: 11]. وقوله: {رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4]. وقرأ ابن أبي عبلة {لها خاضعة} ثم عنف الكفار ونبه على سوء فعلهم بقوله: {وما يأتيهم} الآية، وقوله: {ومحدث} يريد محدث الإتيان، أي مجيء القرآن للبشر كان شيئًا بعد شيء. وقالت فرقة يحتمل أن يريد بالذكر محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى في آية أخرى: {قد أنزل الله إليكم ذكرًا} [الطلاق: 10]. فيكون وصفه بالمحدث متمكنًا.قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أفصح.وقوله تعالى: {فقد كذبوا فسيأتيهم}. الآية وعيد بعذاب الدنيا والآخرة. ويقوى أنه وعيد بعذاب الدنيا لأن ذلك قد نزل بهم كبدر وغيرها، ولما كان إعراضهم عن النظر في الصانع والإله من أعظم كفرهم وكانوا يجعلون الأصنام آلهة ويعرضون عن الذكر في ذلك، نبه على قدرة الله وأنه الخالق المنشيء الذي يستحق العبادة بقوله: {أو لم يروا إلى الأرض} الآية، والزوج النوع والصنف، والكريم الحسن المتقن قاله مجاهد وقتادة، ويراد الأشياء التي بها قوام الأمور والأغذية والنباتات، ويدخل في ذلك الحيوان لأنه عن إنبات ومنه قوله تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح: 17]. قال الشعبي الناس من نبات الأرض فمن صار إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فبضد ذلك وقوله تعالى: {وما كان أكثرهم مؤمنين}. حتم على أكثرهم بالكفر ثم توعد تعالى بقوله: {وإن ربك لهو العزيز الرحيم}. يريد عز في نقمته من الكفار ورحم مؤمني كل أمة، وقال نحو هذا ابن جريج، وفي لفظة {الرحيم} وعد. اهـ.
فلما كانت السّنون لا تكون إِلا بمَرٍّ، أخبر عن السنين، وإِن كان أضاف إِليها المرور.قال: وجاء في التفسير أنه يعني بالأعناق كبراءَهم ورؤساءَهم.وجاء في اللغة: أن أعناقهم جماعاتهم؛ يقال: جاءني عُنُق من الناس، أي: جماعة.وما بعد هذا قد سبق تفسيره [الأنبياء: 2] إِلى قوله: {أَولَم يَرَو إِلى الأرض} يعني المكذِّبين بالبعث {كم أَنْبَتْنَا فيها} بعد أن لم يكن فيها نبات {من كُلِّ زوج كريم} قال ابن قتيبة: من كل جنس حسن.وقال الزجاج: الزوج: النوع، والكريم: المحمود.قوله تعالى: {إِنَّ في ذلك} الإِنبات {لآيةً} تدل على وحدانية الله وقُدرته {وما كان أكثرُهم مؤمنين} أي: ما كان أكثرهم يؤمِن في عِلْم الله، {وإِنَّ ربَّك لَهوَ العزيز} المنتقِم من أعدائه {الرَّحيمُ} بأوليائه. اهـ.
|